Friday, March 25, 2016

قصة صورة










قصة هذه الصورة ستكون على لسان الصديق المهندس محمد أشكناني



أود في البداية ان اعتذر لطول البوست وذلك لانه يحمل في داخله ثلاثة قصص! وكان ذلك السبب الرئيسي وراء ترددي في نشر البوست ولكن ..! في نوفمبر من العام الماضي، وأنا أرتب أوراقي القديمة، وقعت عيناي على صورة كدت انساها، استليتها من بين بقية الأوراق والصور، وذهبت بعيداً وانا أسرح بعيون الأطفال فيها .. كانت الصورة على مكتبي منذ منتصف الثمانينات الى وقت انتقالنا لبيتنا الجديد! حاولت أن ابحث في ذاكرتي عن مصدر الصورة او اسم المصور لم أفلح! المعلومة الوحيدة العالقة في ذهني عنها، انها في احدى الأحياء الفقيرة في تشيلي، وان للصورة سحر خاص يمكن الحديث عنه في مناسبة أخرى، وكنت كلما أجلس على مكتبي وانظر الى وجوه الاطفال اتسائل يا ترى ما الذي حل بهم؟! كانت الصورة بالنسبة لي كأيقونة تذكرني بفضاءات البؤس في العالم وبنزعتي الراديكالية التي لازمتني لفترة طويلة من حياتي .. كنت معجباً بالثنائي سلفادور أليندي وبابلو نيرودا كحالمين بعالم خال من الفقر والظلم .. وكانت الصورة، بشكل أو بآخر، تحيلني اليهما .. وأنا أرجع بذاكرتي الى الوراء، فجأة اجتاحتني رغبة عارمة لمعرفة قصة الصورة! بدأت بسؤال الأهل والأصدقاء لتقودني خيوط البحث الي قريبي وصديقي العزيز د. على الجعفر، وبالاتصال به اخبرني بأنه كان هاوياً لجمع الصور Black & White آنذاك، وانه في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، وأثناء وجوده في باريس اشترى مجموعة من الصور من احدى المحلات، وبعد رجوعه من الاجازة عرض علي ان اختار من بينها صور قد تعجبني .. كان ذلك فقط البداية! فمازالت الأسئلة عن الاطفال والمصور والمكان تشغل بالي. كنت للتو قد تعرفت على طريقة البحث عن الصور في غوغل، فقمت بمسح الصورة والبحث عنها، وإذ يأخذني محرك البحث الى موقع يتيم لمدونة تشيلية اسمها Arolas Uribe تسأل متابعي صفحتها ان كانت لديهم أية معلومات عن نفس الصورة. ارسلت لها رسالة بريدية في 11 نوفمبر الماضي اشرح فيها قصتي مع الصورة وسألتها ان كانت تملك أية معلومات جديدة حول الموضوع، كنت استخدم غوغل للترجمة من الاسباني الى الانجليزي للتواصل معها، وكانت المفاجأة! في ردها على رسالتي، عبرت عن سعادتها البالغة لأن هناك من يشاطرها قلق البحث عن الصورة، وشرعت في سرد قصتها مع الصورة وكيف سحرتها عندما رأتها أول مرة في أحدى البيوت عام 2002، وظلت تبحث عنها الى ان وجدت نسخة منها عام 2005 في احدى الاسواق الصغيرة لبيع الصحف والجرائد، فقامت بشرائها على الفور وعلقتها على حائط غرفتها .. ثم تردف قائلة: وفي أحدى الأيام سألت نفسي من أين أتت هذه الصورة؟ ومن هو المصور؟ وبدأت بحملة صغيرة جداً على مدونتي :arolasuribe.blogspot.com ، وحاولت البحث عن الصورة مثلك ولم أحصل على أية نتيجة، ولكن تدريجياً بدأت تأتيني بعض الردود من أناس مختلفين وجاء أول رد في يوليو من هذا العام حيث ذكرت احدى المدونات في نهاية تعليقها في صفحتي:

"أعتقد عرفت القصة خلف هذه الصورة .. يبدو انها لأحد أعضاء "حركة اليسار" في تشيلي وهو مصور محترف واسمه Hernán Pérez Santos .." وألحقت التعليق بمجموعة من المواقع والصحف التي تتحدث عنه، مع عرض بعض من صوره بينها هذه الصورة، ويمكن اختصار ما جاء في هذه المواقع بالآتي:
كتبت احدى الجرائد : "وهكذا بدأت تظهر المعلومات حول المصور والمناضل من أجل حقوق الفقراء والمحرومين في تشيلي، لقد جاء Hernán Santos في عام 1971، الى احدى المخيمات في ضواحي مدينة San Pablo حيث لا تتوفر فيها أبسط مقومات الحياة، بما في ذلك المياه الصالحة للاستخدام وكان اسمها آنذاك "Hasta la Victoria Siempre" ولم يكن منتمياً لأية جماعة سياسية في بداية عمله، ولكنه سرعان ما انخرط في المقاومة السرية ونشط فيها، حيث عمل مع شريكته على مشروع طموح للغاية من قبل حركة MIR لدفع مجاميع من المناضلين للاستقرار النهائي بالمخيم والعمل كمتطوعين على تحسين شروط حياة الفقراء والمحرومين هناك ، ولقد كان أول من فتح باب منزله المتواضع في المخيم ليكون مركزاً للبدء في مشروع التغيير داخل المخيم."
وفي مصدر آخر: "هكذا يتذكر Lucrecia Brito أحد الناجين من معسكرات الموت لنظام بنوشيه، والذي كان عمره آنذاك 18 عاماً عندما قابل أول مرة Hernán Santos عام 1975 (كان ذلك بعد انقلاب بنوشة على أليندي في سبتمبر 1973): "كنت تستشعر مباشرة بنزعته القيادية، ومع عائلته الصغيره فتح منزله، ليس فقط للمناقشات الاسبوعية واللقاءات السياسية، بل كان بيته مأوى للجميع، وكان يتمتع بشخصية محبوبة جداً .. ، وعندما كانت الظروف القاسية والشتاء القارس يحيطان بنا، كان يردد على مسامعنا "علينا ان لا نتوقف". كنا نجتمع اسبوعيا في منزله لمتابعة تطوير المخيم ونشاطنا السياسي حتى تاريخ اعتقاله."

"وعلى الرغم من الانقلاب العسكري الدموي، كان يعمل بحماس ودون تردد، وحتى بعد اعتقاله الأول والافراج عنه كان يصر على العمل في وضح النهار دون خوف أو وجل، ضارباً بعرض الحائط النصائح التي قيلت له كي يختفي عن الانظار أو يقلل من نشاطه، وكان جوابه الدائم والقاطع لنا جميعاً "لن أترك أصحابي لوحدهم .." .. أتذكر عندما دخل أول مرة غرفة التحميض ليُظهر بعض الصور التي التقطها، كانت النتائج كارثية، ولكنه تدريجيا وبإصرار تعلم كل اسرار التصوير والتحميض ليصبح بعد ذلك مصوراً محترفاً".
"تم اعتقاله مرة أخرى في 19 اكتوبر عام 1977. في ذلك اليوم Herman Santos كان قد غادر منزله حاملاً معه كامرته، وذهب ضمن عمله كمصور محترف لتصوير حضانة أطفال، وعند خروجه من دار الحضانة للعودة لمنزله اعترضته سيارتان، وخرجت منهما مجموعة مسلحة حاولوا إرغامه لدخول أحدى السيارتين، وعندما قاومهم، انهالوا عليه بالضرب، وأطلقت رصاصة على رجله، وأدخل عنوة داخل احدى السيارات والتي فرت مسرعة من المكان."
"وعلى الرغم من محاولات أهله للكشف عن مصيره، سواء عبر الوسائل الرسمية أو الغير رسمية، لم ينجحوا في ذلك، وفي التاسع من أغسطس عام 1979 قامت المحكمة العسكرية بإغلاق الملف."
وتحت عنوان فرعي كتبت احدى الصحف بتاريخ 27 نوفمبر 2012 : "في الأمس تم التعرف على رفات Hernán Santos وذلك في عملية استغرقت سنوات طويلة منذ فتح ملفات المفقودين حيث تم أخيراً التعرف على بقايا عظامه بالتحليل النووي والتي كانت مدفونة في منطقة Cuesta Barriga.
وتذكر الجريدة ان Hernán Santos المصور المحترف قد تم اعتقاله من قبل وكالة الاستخبارات التشيلية لنظام الدكتاتور بنوشيه في 19 أكتوبر 1977، وكان عمره آنذاك 24 عاماً ومتزوج من Norma Ortega Villena ولديه طفلان.
أتردد كثيراً في كتابة البوستات بصورة عامة، فما بالكم ببوست طويل كهذا؟!! قمت بذلك عرفاناً وامتناناً لثلاثة أشخاص، للدكتور Ali Aljafar الذي أدخل هذه الصورة في حياتي، وللسيدة Arolas Uribe التي شاركتني شغف البحث عن الصورة وأضاءت لي ما كان خافياً، وللمصور والمناضل Herman Santos الذي جعلني، عندما أحدق في عيون الاطفال في الصورة، أرى ما رآه!